الهوسات...قصائد بالرصاص الحي

يعقوب جواد

لا تشير مصادر الادب الشعبي الى الزمن الذي نشأت فيه الأهازيج الشعبية او الهوسات كجنس خاص من الشعر الشعبي.

فقد كانت الناس في كل الأوقات تمر بحروب ومعارك ونزاعات لكننا حتى أواخر القرن التاسع عشر نجد إن الميمر هو النوع الذي كان شائعاً في أثناء تلك الاحداث، فقد ظل الميمر يستخدم في المناوشات الكلامية التي تسبق الحروب وتهيئ للمنازعات وظل هو الشائع في إثارة الحماس وظل هو اللون من الشعر الشعبي الذي تتساجل فيه الأطراف لتزيد من همة الأنصار وتعبر عن آراء ومطالب مختلف الاطراف، ففي سنة 1869 عندما سار الوالي مدحت باشا بجنوده لقمع عشائر عفك والدغارة وذلك لمواقفهم من السلطة العثمانية وتصديهم لحملته ومقارعتهم له، حيث ان موقفهم هذا أثلج صدور عشائر الفرات كلها وكان فعلهم موضع اعتزاز وفخر حتى من تلك العشائر التي كانت تحاكي السلطة حيث يقول الشيخ غضب آل عجة رئيس عشيرة بني حسن في الهندية والذي لم يبادر الى نصرتهم، يقول مشيداً بعشائر عفك البواهل والأگرع أهالي منطقة الدغارة:

"شوباش لاولاد البواهل واگرع

يالفسدوا كل البدايع واگرع

يوم العساجر دور افوجن واگرع"

ذباحة الجركز وأهل فيس أحمر

إلا أن موقفه الكلامي هذا لم يسر اهالي عفك والدغارة لأنه موقف يكتفي بالكلام والاقوال، فرد عليه شاعرهم بالقول:

"ييزك تشوبش يا غضب ما تفزع

للشال قانونه وعلينه يجلع

چالعيد عدنه اطوابهم من يرگع

وبحدودنا باشا نزام أمطبّر(1)"

لكن المتتبع لتاريخ الادب الشعبي يلاحظ ان الميمر ودوره في الحروب واشاعة الحماس بدأ يتضائل حتى حل محله اوائل القرن العشرين على ما يتوفر لدينا من مصادر لون جديد وهو الاهزوجة او الهوسة وهي لون من الشعر ينظم على بحر الخبب "فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن" وقد تكون خمس او ست تفعيلات وتسمى على اسماء بعض القبائل كأن يقال "الحچيميه" نسبة الى بني احچيم في منطقة السماوة او "العگيليه" نسبة الى قبيلة العگيلات في المناطق الغربية من العراق.

تولد الهوسه في لحظة من التوتر النفسي والأنشداد الذي يسيطر على المرء لحظة الغضب لذلك تكون حاره، ملتهبة تعكس مشاعر القائل بصدقٍ وبدرجةٍ عالية من البراعة والدقة في الصياغة والتعبير وتتضمن آراءه وطريقة نظرته للأشياء وتعامله مع الحدث بكلمات صادقة مقتضبة مشحونة بالمشاعر(3) يقول الشيخ شعلان ابو الچون:

"بي خير ويچثر عسكر وريلات

سواريه وبياده وفوگ طيارات

ابعزم الله وعزم حيدر ابو الحملات

يتوزع وطروح انشيله"

تتألف الهوسة من بيت من الشعر من ثلاثة اسطر يكون قفلة الاهزوجة او الهوسة في اكثر الاحيان يقول الشيخ عبدالواحد الحاج سكر:

"جميع الناس مني وآنه منهه

مراچب سرت كثره وآنه منهه

طيور ام العلا اترف وآنه منهه

تندار الدنيه وذاك آنه"

عندما توجهت مدافع الانگليز على اهالي الرميثة أخوة دندي وهم الخزاعل وباشه وهم الظوالم والمصوخ وهم بني عارض قال احد مجاهدي الرميثة من الشعراء يحث الزعيمين عبدالواحد الحاج سكر وشعلان ابو الچون على نصرة الثوار:

"أخوة دندي وباشه ومصوخ اعيان

شبه ممشه النظام اتگلطوا للدان

اريد ابعث لعبدالواحد وشعلان

يسباع الزور اشها النومه(4)"

وقد ارتجل الشيخ مشير المزهر الفرعون هذه الهوسه عام 1935 وهو أحد زعماء آل فتله عندما بلغه إن علي جودت الأيوبي كلف بتشكيل الوزارة فشهر مسدسه ونادى افراد الشرطة والحاكمين في قضاء ابي صخير واطلق النار معلناً عما يريد بالقول:

"انهضوا وياي يا شباب انهضوا وياي

اتركوا النوم اگطعوا الزاد اگطعوا الماي

علي جودت وزير اعراگنه وي واي

اسنّط ياالله اشها العيله(5)"

وهذا شاعر من آل ازيرچ يخاطب القائد الانگليزي هاملتن حيث يقول:

"يها ملتن تيّدب لا تزومش دوم

ذوله افروخ الازرگ موش اهل لملوم

بالسنگي معاك نريد نصفى اليوم

رد لا تتدهده بحلگ آفه"

وقد يرتجل المهوال القفلة لوحدها فيرددها معه الاخرون دون ان يمهد لها بالاشطر الثلاث وهذا ما يسمى بالهوسة المطلقة غير المقيدة.

قال الحاج سعدون آل رسن من زعماء عشيرة الاگرع في الدغارة في ثورة العشرين حينما قهر الانگليز خلال الثورة العراقية:

"سجّيل امطر جيت عليها"

لم تقتصر الهوسة على الرجل فقط بل كان للمرأة دور بارز فيها وقوي في ايقاض الروح الوطنية وشحذ الهمم لمقارعة الانگليز حين تقول والدة الحاج سكر الفرعون مفتخرة بابنها في الثورة العراقية:

"كل جابت خابت بس آنه"

امرأة اخرى من الظوالم تتحدى الموت وتخاطبه بجرأة وهي ترى اولادها السبعة يتسابقون على الموت في ثورتهم ضد الانگليز فتقول:

"يا موت اطحن وآنه الهيلك"

وهذه امرأة عراقية اخرى تخاطب ولدها الذي أسره الانگليز بعد ان اصاب منهم ما اصاب وتحثه على عدم التخاذل او النكران فتقول له:

"بس لا تتعذر موش آنه"

فيجيبها بشجاعة قائلا:

"حطّوني بحلگه وگلت آنه"

وهذه الام التي تنتظر وحيدها الذي ذهب للقتال ولم يعد فتسال اخوها عنه فيقول لها:

"چن لا هزّيتي ولوليتي"

فتجيبه بكل شجاعة الأم العراقية:

"هزّيت ولوليت لهذا"

وفي معركة (ام الواويه) التي سميت بهذا الاسم لكثرة الضحايا من الانگليز مما جعلت الواوية تأكل بها زمناً طويلاً تقول الشاعرة الفراتية الثائرة:

"ريّع يواوي اهنا واشبع

ومن الشبع ظليت تضلع

وجسومها للوحش مرتع

ولاثار طوب العدو نجلع

چم ثابته وحرّاب نشلع

ولعد راس العراگ اليوم نرفع

وكل قايد اعله الگاع نصرع(6)"

ولعل ما يميز الهوسة هو المامها البليغ بكل جوانب الموضوع الذي تتطرق اليه ولكن بكلمات موجزة، مقتضبة، حارة، حتى كأنها ليست كلاماً بل اطلاقٌ لرصاصٍ حي..

تحياتي شعواط

مشكورين عيني شوااااااااط كلش حلو بس خلصت بطل ببسي يالله خلصتة هع هع هع هع تحياتي وتقبل مروري